الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال البقاعي: حين كان الغني مجيبًا كان أولى بأن يكون المحتاج مستجيبًا يعني فلذلك سبب عنه قوله إشارة إلى شرط الإجابة {فليستجيبوا لي} إنباء عما قد دعاهم إليه من قربه وقصد بيته بما جبلهم عليه من حاجتهم إليه، وجاء بصيغة الاستفعال المشعر باستخراج الإجابة مما شأنه الإباء لما في الأنفس من كره فيما تحمل عليه من الوصول إلى بيت لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس- انتهى وفيه تصرف. ولما أوجب استجابته سبحانه في كل ما دعا إليه وكانت الاستجابة بالإيمان أول المراتب وأولاها وكانت مراتب الإيمان في قوته وضعفه لا تكاد تتناهى قال مخاطبًا لمن آمن وغيره: {وليؤمنوا بي} أي مطلق الإيمان أو حق الإيمان، ثم علل ذلك بقوله: {لعلهم يرشدون} أي ليكونوا على رجاء من الدوام على إصابة المقاصد والاهتداء إلى طريق الحق. اهـ..قال الماوردي: وفي قوله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أربعة تأويلات:أحدها: أن الاستجابة بمعنى الإجابة، يقال استجبت له بمعنى أجبته، وهذا قول أبي عبيدة، وأنشد قول كعب بن سعد الغنوي:أي فلم يجبه.والثاني: أن الاستجابة طلب الموافقة للإجابة، وهذا قول ثعلب.والثالث: أن معناه فليستجيبوا إليَّ بالطاعة.والرابع: فليستجيبوا لي، يعني فليدعوني. اهـ. .قال الفخر: وجه الناظم أن يقال: إنه تعالى قال: أنا أجيب دعاءك مع أني غني عنك مطلقًا، فكن أنت أيضًا مجيبًا لدعائي مع أنك محتاج إلي من كل الوجوه، فما أعظم هذا الكرم، وفيه دقيقة أخرى وهي أنه تعالى لم يقل للعبد: أجب دعائي حتى أجيب دعاءك، لأنه لو قال ذلك لصار لدعائي، وهذا تنبيه على أن إجابة الله عبده فضل منه ابتداء، وأنه غير معلل بطاعة العبد، وأن إجابة الرب في هذا الباب إلى العبد متقدمة على اشتغال العبد بطاعة الرب. اهـ..قال البقاعي: قال الحرالي: والرشد حسن التصرف في الأمر حسًا أو معنى في دين أو دنيا، ومن مقتضى هذه الآية تتفضل جميع أحوال السالكين إلى الله سبحانه وتعالى من توبة التائب من حد بعده إلى سلوك سبيل قربه إلى ما يؤتيه الله من وصول العبد إلى ربه. انتهى..إشكالان وجوابهما: .الأول: قال الفخر:في الآية سؤال مشكل مشهور، وهو أنه تعالى قال: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقال في هذه الآية: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ} وكذلك {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] ثم إنا نرى الداعي يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب.والجواب: أن هذه الآية وإن كانت مطلقة إلا أنه قد وردت آية أخرى مقيدة، وهو قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء} [الأنعام: 41] ولا شك أن المطلق محمول على المقيد، ثم تقرير المعنى فيه وجوه أحدها: أن الداعي لابد وأن يجد من دعائه عوضًا، إما إسعافًا بطلبته التي لأجلها دعا وذلك إذا وافق القضاء، فإذا لم يساعده القضاء فإنه يعطي سكينة في نفسه، وانشراحًا في صدره، وصبرًا يسهل معه احتمال البلاء الحاضر، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة، وهو نوع من الاستجابة وثانيها: ما روى القفال في تفسيره عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوة المسلم لا ترد إلا لإحدى ثلاثة: ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، إما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعا».وهذا الخبر تمام البيان في الكشف عن هذا السؤال، لأنه تعالى قال: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ولم يقل: أستجب لكم في الحال فإذا استجاب له ولو في الآخرة كان الوعد صدقًا وثالثها: أن قوله: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} يقتضي أن يكون الداعي عارفًا بربه وإلا لم يكن داعيًا له، بل لشيء متخيل لا وجود له ألبتة، فثبت أن الشرط الداعي أن يكون عارفًا بربه ومن صفات الرب سبحانه أن لا يفعل إلا ما وافق قضاءه وقدره وعلمه وحكمته فإذا علم أن صفة الرب هكذا استحال منه أن يقول بقلبه وبعقله: يا رب افعل الفعل الفلاني لا محالة، بل لابد وأن يقول: افعل هذا الفعل إن كان موافقًا لقضائك وقدرك وحكمتك، وعند هذا يصير الدعاء الذي دلت الآية على ترتيب الإجابة عليه مشروطًا بهذه الشرائط وعلى هذا التقدير زال السؤال الرابع أن لفظ الدعاء والإجابة يحتمل وجوهًا كثيرة أحدها: أن يكون الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على الله كقول العبد: يا الله الذي لا إله إلا أنت، وهذا إنما سمي دعاء لإنك عرفت الله تعالى ثم وحدته وأثنيت عليه، فهذا يسمى دعاء بهذا التأويل ولما سمي هذا المعنى دعاء سمي قبوله إجابة لتجانس اللفظ ومثله كثير وقال ابن الأنباري: {أُجِيبُ} هاهنا بمعنى أسمع لأن بين السماع وبين الإجابة نوع ملازمة، فلهذا السبب يقام كل واحد منهما مقام الآخر، فقولنا سمع الله لمن حمده أي أجاب الله فكذا هاهنا قوله: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع} أي أسمع تلك الدعوة، فإذا حملنا قوله تعالى: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} على هذا الوجه زال الإشكال.وثانيها: أن يكون المراد من الدعاء التوبة عن الذنوب، وذلك لأن التائب يدعو الله تعالى عند التوبة، وإجابة الدعاء بهذا التفسير عبارة عن قبول التوبة، وعلى هذا الوجه أيضًا لا إشكال.وثالثها: أن يكون المراد من الدعاء العبادة، قال عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة» ومما يدل عليه قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} [غافر: 60] فظهر أن الدعاء هاهنا هو العبادة، وإذا ثبت هذا فإجابة الله تعالى للدعاء بهذا التفسير عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب كما قال: {وَيَسْتَجِيبُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ} [الشورى: 26] وعلى هذا الوجه الإشكال زائل.ورابعها: أن يفسر الدعاء بطلب العبد من ربه حوائجه فالسؤال المذكور إن كان متوجهًا على هذا التفسير لم يكن متوجهًا على التفسيرات الثلاثة المتقدمة، فثبت أن الإشكال زائل. اهـ..الثاني: قال الفخر:إجابة العبد لله إن كانت إجابة بالقلب واللسان، فذاك هو الإيمان، وعلى هذا التقدير يكون قوله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى} تكرارًا محضًا، وإن كانت إجابة العبد لله عبارة عن الطاعات كان الإيمان مقدمًا على الطاعات، وكان حق النظم أن يقول: فليؤمنوا بي وليستجيبوا لي، فلم جاء على العكس منه؟.وجوابه: أن الاستجابة عبارة عن الانقياد والاستسلام، والإيمان عبارة عن صفة القلب، وهذا يدل على أن العبد لا يصل إلى نور الإيمان وقوته إلا بتقدم الطاعات والعبادات. اهـ.ومعنى الآية أنهم إذا استجابوا لي وآمنوا بي: اهتدوا لمصالح دينهم ودنياهم، لأن الرشيد هو من كان كذلك. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قوله جلّ ذكره: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ}.سؤال كل أحدٍ يدلُّ على حاله؛ لم يسألوا عن حكم ولا عن مخلوق ولا عن دين ولا عن دنيا ولا عن عقبى بل سألوا عنه فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى}. وليس هؤلاء من جملة من قال: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ} [طه: 105]، ولا من جملة من قال: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى} [البقرة: 220] ولا من جملة من قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ} [البقرة: 222]، ولا من جملة من قال: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإٍسراء: 85]، ولا من جملة من قال: و{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ} [البقرة: 219]، و{يَسْئَلُونَكَ عِنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217].هؤلاء قوم مخصوصون: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى}.أي إذا سألك عبادي عني فبماذا تجيبهم؟ ليس هذا الجواب بلسانك يا محمد، فأنت وإنْ كنتَ السفير بيننا وبين الخلْق فهذا الجواب أنا أتولاه {فَإِنِّى قَرِيبٌ} رَفَعَ الواسطة من الأغيار عن القربة فلم يَقُل قل لهم إني قريب بل قال جل شأنه: {فَإِنِّى قَرِيبٌ}.ثم بَيَّن أن تلك القربة ما هي: حيث تقدَّس الحقُّ سبحانه عن كل اقتراب بجهة أو ابتعاد بجهة أو اختصاص ببقعة فقال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} وإن الحق سبحانه قريب- من الجملة والكافة- بالعلم والقدرة والسماع والرؤية، وهو قريب من المؤمنين على وجه التبرية والنصرة وإجابة الدعوة، وجلَّ وتقدَّس عن أن يكون قريبًا من أحد بالذات والبقعة؛ فإنه أحديٌّ لا يتجهَ في الأقطار، وعزيز لا يتصف بالكُنْهِ والمقدار.قوله جلّ ذكره: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتِجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.لم يَعِدْ إجابة من كان باستحقاق زهد أو في زمان عبادة بل قال دعوة الداعي متى دعاني وكيفما دعاني وحيثما دعاني ثم قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى} هذا تكليف، وقوله: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} تعريف وتخفيف، قدَّم التخفيف على التكليف، وكأنه قال: إذا دعوتني- عبدي- أَجَبْتُك، فأَجِبنِي أيضًا إذا دَعَوْتُك، أنا لا أرضى بِرَدِّ دعائِك فلا تَرْضَ- عبدي- بردِّي من نفسك. إجابتي لك بالخير تحملك- عبدي- على دعائي، ولا دعاؤك يحملني على إجابتك. {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى}: وليثقوا في، فإني أجيب من دعاني، قال قائلهم:ثم قال في آخر الآية: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} أي ليس القصد من تكليفك ودعائك إلا وصولك إلى إرشادك. اهـ. .لطيفة في القرب من الله تعالى: قال سهل أدنى مقامات القرب الحياء من الله عز وجل. اهـ.وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن القرب:وهو على في دنوه قريب في علوه. اهـ..فصل في فضل الدعاء: عن أنسٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَعْجِزُوا عَنِ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ» رواه الحاكم أبو عبد اللَّه في المُسْتَدْرَكِ على الصحيحين، وابن حِبَّانَ في صحيحه، واللفظ له، وقال الحاكم: صحيحُ الإِسناد، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ: سِلاَحُ المُؤْمِنِ، وَعِمَادُ الدِّينِ، وَنُورُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ» رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيحٌ، وعن جابرِ بن عبدِ اللَّهِ- رضي اللَّه عنهما- عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْعُو اللَّهُ بِالمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ حتى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: عَبْدِي، إِنِّي أَمَرْتُكَ؛ أَنْ تَدْعُونِي، وَوَعَدْتُّكَ أَنْ أَسْتَجِيبَ لَكَ، فَهَلْ كُنْتَ تَدْعُونِي، فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَمَا إِنَّكَ لَمْ تَدْعُنِي بِدَعْوَةٍ إِلاَّ استجبت لَكَ، أَلَيْسَ دَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذَا وَكَذَا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ؛ أَنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ فَفَرَّجْتُ عَنْكَ؟! فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي عَجَّلْتُهَا لَكَ فِي الدُّنْيَا، وَدَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذَا وَكَذَا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ، أنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ، فَلَمْ تَرَ فَرَجًا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: إِنِّي ادخرت لَكَ بِهَا فِي الجَنَّةِ كَذَا وَكَذَا وكَذَا وَكَذَا، وَدَعَوْتَنِي فِي حَاجَةٍ أَقْضِيهَا لَكَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فَقَضَيْتُهَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي عَجَّلْتُهَا لَكَ فِي الدُّنْيَا، وَدَعَوْتَنِي فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي حَاجَةٍ أَقْضِيهَا لَكَ، فَلَمْ تَرَ قَضَاءَهَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: إِنِّي ادخرت لَكَ فِي الجَنَّةِ كَذَا وَكَذَا» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلاَ يَدَعُ اللَّهُ دَعْوَةً دَعَا بِهَا عَبْدُهُ المُؤْمِنُ إِلاَّ بَيَّنَ لَهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ ادخر لَهُ فِي الآخِرَةِ، قَالَ: فَيَقُولُ المُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ المَقَامِ: يَا لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ عُجِّلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ دُعَائِهِ» رواه الحاكم في المستدرك.وعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَرُدُّ القَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ» رواه الحاكمُ في المستدرك وابنُ حِبَّانَ في صحيحه، واللفظ للحاكمِ، وقال: صحيحُ الإِسناد.قلت: وقد أخرج ابن المبارك في رقائقه هذا الحديثَ أيضًا، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن عبد اللَّه بن عيس عن عبد اللَّه بن أبي الجَعْد، عن ثَوْبَان، قال: قَال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ». انتهى.وعن عائشةَ- رضي اللَّه عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُغْنِي حَذَرٌ مَنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإنَّ البَلاَءَ لَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ، فَيَعْتَلِجَانِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ» رواه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيحُ الإِسناد، وقوله؛ «فَيَعْتَلِجَانِ»، أي: يتصارعان.وعن سَلْمَانِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ عِنْدَ الكُرَبِ، وَالشَّدَائِدِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ»، رواه الحاكمُ أيضًا، وقال: صحيحُ الإِسناد، وعن ابْنِ عمر- رضي اللَّه عنهما- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فُتِحَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ مِنْكُمْ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ».قال الغَزَّالِيُّ رحمه اللَّه في كتابِ الإِحياء: فإِن قُلْتَ: فما فائدةُ الدعاءِ، والقضاءُ لا يُرَدُّ؟ فاعلمْ أنَّ من القضاءِ رَدَّ البلاء بالدعاءِ، فالدعاءُ سببٌ لردِّ البلاء، واستجلابٌ للرحمة؛ كما أن التُّرْس سبب لردِّ السهم، ثم في الدعاءِ من الفائدة أنه يستدْعِي حضورَ القَلْب، مع اللَّه عزَّ وجلَّ، وذلك منتهى العبادَاتِ، فالدعاءُ يردُّ القلْبَ إِلى اللَّه عز وجلَّ بالتضرُّع والاستكانةِ، فانظره، فإِني اثرت الاختصار، وانظر سِلاَحَ المُؤْمن الذي منه نقلْتُ هذه الأحاديثَ.ومن جامع الترمذيِّ: عن أبي خُزَامَةَ، واسمه رفَاعَةُ، عن أبِيهِ، قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا، وَدَوَاءً نتداوى بِهِ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ»؛ قال أبو عيسى: هذا حديث حسنً صحيحٌ.وانظر جوابَ عمر لأبي عُبَيْدة: نَعَمْ، نَفِرُّ من قدر اللَّه إِلى قدر اللَّه... الحديث هو من هذا المعنى. انتهى، واللَّه الموفق بفضله. اهـ.
|